‫البنك الدولي‬ ‫التقرير الرئيسي للتعليم في ر‬ ‫الشق األوسط وشمال أفريقيا‬ ‫توقعات وتطلعات‬ ‫إطار جديد للتعليم في الشرق األوسط وشمال أفريقيا‬ ‫الملخص التنفيذي‬ ‫يتمتع التعليم في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا (‪ 1)MENA‬بإمكانات كبيرة وغير مستغلة للمساهمة في رأس المال‬ ‫البشري والرخاء والثروة‪ .‬وفي الواقع‪ ،‬يقع التعليم في جوهر تاريخ المنطقة وحضاراتها منذ قرون‪ ،‬وقد كان للتعليم في‬ ‫القرن العشرين دورا محوريا في نضال الشعوب من اجل تحقيق االستقالل وبناء دول وانظمة اقتصادية حديثة وتشكيل‬ ‫هوياتها الوطنية‪ .‬تمتلك منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا في الوقت الحالي أدنى حصة من رأس المال البشري في‬ ‫إجمالي الثروة على صعيد العالم (‪ .)Lange, Wodon, and Carey 2018‬وبينما حقق شباب المنطقة مستويات تعليمية‬ ‫تفوق تعليم والديهم‪ ،‬إال أنهم لم يتمكنوا من ترجمة تحصيلهم العلمي إلى فرص دخل أكبر(‪ .)Narayan et al. 2018‬أي‬ ‫أنه في حين تحتل منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا المرتبة األعلى من حيث القدرة المطلقة على االنتقال التعليمي بين‬ ‫األجيال مقارنة بمناطق العالم األخرى‪ ،‬مع ذلك تشهد المنطقة معدل متدني في القدرة على ارتفاع الدخل بين األجيال‪ .‬مع‬ ‫العلم انه في معظم المناطق األخرى‪ ،‬يرتبط التحصيل العلمي مع ارتفاع الدخل ارتباطا وثيقا (‪.)Narayan et al. 2018‬‬ ‫فإن سكان الشرق األوسط وشمال افريقيا البالغ عددهم ‪ 435‬مليون نسمة يعانون من فترة صعوبات حادة‪ .‬تساهم‬ ‫التهديدات المستمرة للسالم واالستقرار االقتصادي في انشاء التحديات عبر العديد من القطاعات‪ ،‬وقد ظل معدل النمو‬ ‫االقتصادي منخفض بشكل مستمر عقب الربيع العربي )‪ ،(World Bank 2015a‬بينما ارتفعت معدالت البطالة في‬ ‫صفوف الشباب وتدهورت نوعية الخدمات العامة (‪.)Brixi, Lust, and Woolcock 2015; World Bank 2013a‬‬ ‫لقد ساءت نتائج سوق العمل للخريجين حﺘى في الﺒلﺪان الﻤﺴﺘقﺮة نﺴﺒﻴا ( ‪El-Araby 2013; Krafft 2013; Rizk‬‬ ‫‪ .)Isfahani, Tunali, and Assaad 2009; Tzannatos, Diwan, and Ahad 2016). 2016; Salehi-‬وتفاقمت‬ ‫هذه التحديات قيد االنتكاس الكبير في سوق النفط العالمي‪ ،‬والذي ادى إلى ازدياد الضغوط على البلدان الغنية بالموارد‬ ‫(‪ )IMF 2017‬وخلق حاجة ماسة في الدفع باتجاه تنمية رأس المال البشري في الشرق األوسط وشمال افريقيا‪.‬‬ ‫على الرغم من وجود االستثمارات الكبيرة في التعليم على مدى السنوات الخمسين الماضية والنمو المبهر في معدالت‬ ‫االلتحاق والتكافؤ بين الجنسين على تقريبا جميع مستويات التعليم‪ ،‬فإن منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا لم تتمكن من‬ ‫تحقيق الفوائد الشخصية واالجتماعية واالقتصادية للتعليم بشكل كامل‪ .‬وأثناء السنوات الخمسين ذاتها‪ ،‬استثمرت جمهورية‬ ‫كوريا أيضا في رأسمالها البشري ونجحت في التحول من بلد نامي في أوائل الستينات إلى إحدى أفضل البلدان العشرين‬ ‫وفقا لتعريف البنك الدولي‪ ،‬تشمل منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا البلدان واألراضي التالية‪ :‬األردن‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬جمهورية‬ ‫إيران اإلسالمية‪ ،‬البحرين‪ ،‬تونس‪ ،‬الجزائر‪ ،‬جيبوتي‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الجمهورية العربية السورية‪ ،‬الضفة الغربية وغزة‪ ،‬العراق‪،‬‬ ‫عمان‪ ،‬قطر‪ ،‬الكويت‪ ،‬لبنان‪ ،‬ليبيا‪ ،‬مالطا‪ ،‬جمهورية مصر العربية‪ ،‬المغرب‪ ،‬وجمهورية اليمن‪ .‬استثنيت مالطا من التحليل في هذا التقرير لعدم‬ ‫وجود قواسم مشتركة كافية بينها وبين بقية المنطقة‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫اقتصادا في العالم اليوم‪ .‬أنشأت جمهورية كوريا نظاما تعليميا من الطراز العالمي‪ ،‬ويحتل طالبها موقعا متقدما على‬ ‫الدوام بين البالد األوائل في التقييمات الدولية للتعلم‪ .‬وبالمقارنة‪ ،‬فإن طالب منطقة الشرق األوسط وشمال افريقيا قد‬ ‫سجلوا من بين أدنى المراتب على نحو منتظم في مثل هذه التقييمات‪.‬‬ ‫وعلى الرغم من أن الكثير قد تغير سياسيا واقتصاديا في منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬فإن أنظمة التعليم فيها‬ ‫ظلت جامدة إلى حد كبير‪ .‬على مدى العقد الماضي‪ ،‬ظهرت تقنيات جديدة وانتشرت في أرجاء العالم‪ ،‬مما أدى إلى تغير‬ ‫حياة المليارات وتغيير طبيعة العمل‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن أنواع المهارات المطلوبة للنجاح في سوق العمل آخذة في التغير‬ ‫(‪ .)World Bank 2019‬بينما يعد دور التكنولوجيا كمشكل للطلب في مستقبل العمالة أمر مؤكد‪ ،‬فإن دورها كعامل مساعد‬ ‫للتوصيل يحمل إمكانات كبيرة لم تستغل بعد في المنطقة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬تعمل التكنولوجيا على تَغيير سبل تجهيز طالب اليوم‬ ‫للدخول إلى القوى العاملة المستقبلية⎯أي أنها ال تؤثر على غايات التعليم فحسب بل أيضا على وسائل التعليم‪ .‬تمثل‬ ‫التكنولوجيا فرصة فريدة من نوعها للمساهمة في توصيل التعليم عالي الجودة بطريقة أكثر كفاءة وفعالية‪.‬‬ ‫إن منطقة الشرق األوسط وشمال إفريقيا تتمتع بالقدرة والموارد الالزمة لالستعانة بالتكنولوجيا إلنشاء أنظمة التعليم التي‬ ‫من شأنها أن تبني رأسمالها البشري‪ ،‬وتحظى المنطقة بكافة األدوات والفرص لتحقيق قفزات إلى األمام وإرساء مجتمعات‬ ‫مزدهرة وسلمية‪ .‬غير أن قوة التعليم في بناء رأس المال البشري وخلق التغيير تتوقف على جودة التعليم‪ ،‬وقدرة إيصاله‬ ‫إلى البيئات االقتصادية واالجتماعية المكملة‪ ،‬واالستعانة الذكية بالتكنولوجيا‪.‬‬ ‫التوترات األربعة‬ ‫تتكون عملية التعليم من مجموعة معقدة من العوامل والجهات الفاعلة على مستويات متعددة‪ .‬تتفاعل عوامل من خارج‬ ‫نظام التعليم—أي العوامل السياسية واالقتصادية واالجتماعية—مع النظام التعليمي بصورة رسمية وغير رسمية وتشكل‬ ‫نتائجه‪ .‬فإن األعراف السلوكية والتنازعات العقائدية بين الحكومات ومجموعات المصالح والمواطنين من شأنها ان تعيق‬ ‫البلدان من ايصال المنافع العامة (‪ .)World Bank 2016b‬لقد تعرض التعليم في الشرق األوسط وشمال أفريقيا إلى‬ ‫اإلعاقة من قبل األعراف السلوكية والتنازعات العقائدية‪ ،‬والتي تتجسد في أربع مجموعات من التوترات (الشكل م‪.‬ت‪)1.‬‬ ‫وهم التوتر بين‪ )1( :‬الشهادات والمهارات؛ (‪ )2‬االنضباط واالستعالم؛ (‪ )3‬السيطرة واالستقاللية؛ و(‪ )4‬التقليد والحداثة‪.‬‬ ‫وقد شكلت هذه التوترات عائقا أمام تطور التعليم إلى أن يهيئ الطالب للمستقبل‪ .‬إن التوترات األربعة متجذرة بعمق في‬ ‫تاريخ المنطقة وثقافتها واقتصادها السياسي‪ ،‬مع أنها تتواجد بدرجات متفاوتة من بلد إلى بلد‪ ،‬وتحدد إلى حد كبير العالقات‬ ‫االجتماعية والسياسية‪ .‬لقد عملت هذه التوترات في تشكيل سياسة التعليم في بلدان الشرق األوسط وشمال أفريقيا منذ‬ ‫االستقالل‪ ،‬وإنها تشكل جوهر النقاشات الوطنية الحالية حول إصالحات التعليم‪.‬‬ ‫الشكل م‪.‬ت‪ :1.‬أربع توترات تعيق التعليم في الشرق األوسط وشمال افريقيا‬ ‫المصدر‪ :‬البنك الدولي‬ ‫‪2‬‬ ‫المدارس والفصول الدراسية هي المنصات التي يتم فيها ممارسة هذه التوترات من خالل المناهج وطرق‬ ‫التدريس والمعايير التي تحدد التفاعالت بين المدراء والمعلمين وأولياء األمور والطالب‪ .‬تحدد هذه التوترات في‬ ‫نهاية المطاف النتائج التعليمية للشباب في الشرق األوسط وشمال إفريقيا‪ ،‬وتؤثر على حياتهم وكذلك على األنظمة‬ ‫االقتصادية والمجتمعات التي يعيشون فيها‪ .‬وفي عالمنا المتصل بشكل متزايد‪ ،‬قد تتجاوز آثار هذه التوترات حدود‬ ‫المنطقة؛ ما لم تعالَج‪ ،‬لن تتمكن منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا من جني الفوائد الكاملة للتعليم مهما كان قدر‬ ‫األموال المستثمرة‪.‬‬ ‫الشهادات والمهارات‪ .‬عادة ما تمثل الشهادة كوثيقة تفويض على شكل درجة علمية أو دبلوم مرتبطة باكتساب مجموعة‬ ‫مخصصة من المهارات‪ .‬تؤشر الشهادات في سوق العمل إلى اإلنتاجية بناء على افتراض مفاده أن المزيد من السنوات‬ ‫التعليمية ترتبط بمستويات إنتاجية أعلى (‪ .)Page 2010‬في كافة أرجاء منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬كان‬ ‫التوظيف في القطاع العام يضمن تاريخيا ألي شخص يحمل الشهادات التعليمية الكافية‪ ،‬وهكذا أصبح اكتساب الشهادات‬ ‫بمثابة انجاز على الورق يقدر أكثر من اكتساب المهارات‪ .‬نتيجة لذلك‪ ،‬إن العالقة بين الشهادات والمهارات في الشرق‬ ‫األوسط وشمال أفريقيا ضئيلة أو معدومة‪ .‬فتبقى البلدان عالقة في "توازن وثائقي" حيث يؤدي ضعف الطلب على‬ ‫المهارات وقوة الطلب على الشهادات في سوق العمل إلى حث األسر على أن تطالب الشهادات أكثر مما تطالب المهارات‬ ‫من نظام التعليم (‪ .)Salehi-Isfahani 2012‬وبدوره يستجيب نظام التعليم لمطالبها من خالل توفير شهادات‪.‬‬ ‫االنضباط واالستعالم‪ .‬في المجتمعات التي تتسم باألعراف االجتماعية القوية‪ ،‬يضمن االنضباط االلتزام بتلك األعراف‪.‬‬ ‫ترتبط مفاهيم االنضباط واالستعالم ارتباطا وثيقا بعلم التربية والمناهج‪ ،‬وأيضا بالتفاعالت اليومية داخل المدارس‬ ‫والفصول الدراسية بين المدراء والمعلمين والطالب‪ .‬ويؤدي التركيز المفرط على االنضباط إلى التحفيظ والتعلم السلبي‪،‬‬ ‫فإن المناهج عبر منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا تعتمد بشدة على الحفظ التلقيني‪ ،‬بحيث ال يترك سوى وقتا ضئيال‬ ‫لتنمية مهارات التفكير النقدي‪ .‬على الرغم من أهمية االنضباط‪ ،‬أال أن كثره عن اللزوم قد يقيد قدرة الطالب على التعلم‪،‬‬ ‫أو التفكير‪ ،‬أو استكشاف األفكار‪ ،‬أو التساؤل عن المفاهيم‪ .‬وعلى عكس ذلك‪ ،‬يسمح االستعالم للطالب بفهم محيطهم‪،‬‬ ‫ووضع المفاهيم في السياق المناسب عن طريق األسئلة والتجارب‪ ،‬وبناء المهارات التي من الضروري تعلمها خالل‬ ‫الحياة‪.‬‬ ‫السيطرة واالستقاللية‪ .‬يتجسد التوتر بين السيطرة واالستقاللية في النقاش الدائر حول تحقيق الالمركزية في تقديم خدمات‬ ‫التعليم وتوازن القوى بين الوزارات المركزية والمكاتب اإلقليمية والمدارس‪ .‬قامت العديد من بلدان الشرق األوسط‬ ‫وشمال أفريقيا بتجربة جوانب من المركزية التعليم واالستقاللية والمساءلة‪ ،‬وقد تفاوت نجاح هذه الجهود‪ .‬في بعض‬ ‫الحاالت‪ ،‬تم طرح نموذج المركزي أليلولة سلطة صنع القرار ولكن بدون القدرة أو الموارد الالزمة لتنفيذه على المستوى‬ ‫المحلي والمدرسي‪.‬‬ ‫التقليد والحداثة‪ .‬وفقا لبعض العلماء‪ ،‬يتمثل أكبر تحد يواجه منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا في مواءمة االحتياجات‬ ‫التنموية للعالم الحديث مع الواجبات السلوكية في المجتمع الديني‪ .‬وقد أسفر ذلك عن التوتر بين الحداثة‪ ،‬أو قوى التغيير‪،‬‬ ‫والتقليد )‪ ،)Cook 2000‬ومن شأن هذا التوتر أن يؤدي إلى صراعات داخل عمليات التعليم ( ‪Massialas and Jarrar‬‬ ‫‪ .)1987‬كما أن في الشرق األوسط وشمال أفريقيا‪ ،‬كثيرا ما يتم ارتباط الحداثة بالنماذج والنهج الغربية‪ ،‬ويستخدمها‬ ‫معارضو التغيير لتعليق اإلصالحات‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬تتمثل الحداثة في عملية تجديد األعراف االجتماعية‪ ،‬وهناك "حداثات"‬ ‫عدة‪ .‬فال تتمثل القضية في استبدال التقاليد لتحل الحداثة محلها‪ ،‬بل إنها قضية فسح المجال لمراجعة الممارسات‬ ‫واألعراف التقليدية التي تعيق إمكانات التعليم‪ ،‬ولالنخراط في عملية تجديد تهيئ الطالب للتواصل بشكل أفضل مع العالم‬ ‫المتغير‪.‬‬ ‫الدفع والجذب والتعهد‪ :‬إطار جديد للتعليم‬ ‫من أجل تحقيق إمكانات التعليم‪ ،‬يجب على منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا معالجة التوترات األربعة وإنشاء نظام‬ ‫تعليمي يهيئ جميع الطالب لمستقبل مثمر وناجح‪ .‬وليكون مثل هذا النظام حديثا ومرنا ومن شأنه أن يعزز ثقافة تتسم‬ ‫بالتميز واإلبداع‪ .‬كما أنه يستعين بالتكنولوجيات التمزيقية )‪(disruptive technology‬‬ ‫ويعتمد نهج حديثة من أجل توفير للشباب المهارات المطلوبة لتحديد مساراتهم الحياتية‬ ‫‪3‬‬ ‫والتكيف مع التغيرات المحلية والوطنية والعالمية‪ .‬وأخيرا‪ ،‬يكون نظاما قائما على رؤية وطنية مشتركة ويتصل بأهداف‬ ‫التنمية الشاملة للبلد‪ .‬إلنشاء مثل هذا النظام‪ ،‬يجب على منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا أن تعتمد إطار جديد للتعليم‬ ‫⎯ وليتضمن اإلطار دفع متناسق نحو التعلم‪ ،‬وجذب واسع النطاق للمهارات‪ ،‬وميثاق جديد للتعليم‪( .‬الشكل م‪.‬ت‪:)2.‬‬ ‫الشكل م‪.‬ت‪" 2.‬الدفع والجذب والتعهد"‪ :‬عرض إطار جديد للتعليم في الشرق األوسط وشمال أفريقيا‬ ‫المصدر‪ :‬البنك الدولي‬ ‫يتم تحقيق إمكانات التعليم فقط عندما يمنح المهارات والمعرفة التي تشكل رأس المال البشري‪ .‬إن كسب المهارات هو‬ ‫الذي في الواقع يحدد مساهمة التعليم في النمو االقتصادي ⎯ وليس سنوات الدراسة ( ;‪Barro and Lee 2013‬‬ ‫‪ .)Hanushek and Woessmann 2008; World Bank 2018e‬لقد نجحت منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا في‬ ‫توفير التمدرس؛ واآلن يجب أن تحقق التعلم‪ .‬قد ارتفع عدد سنوات الدراسة في جميع أرجاء الشرق األوسط وشمال‬ ‫أفريقيا‪ ،‬بحيث بلغ المتوسط في بلدان عدة يقارب كامل دورة التعليم االبتدائي والثانوي‪ .‬ولكن عندما تؤخذ نسبة التعلم في‬ ‫االعتبار فقد تقل عدد السنوات الدراسية الفعالة في الشرق األوساط وشمال أفريقيا عن عدد السنوات الفعلية بمقدار ‪2.9‬‬ ‫سنة في المتوسط‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬فإن ضعف جودة التعليم في الشرق األوسط وشمال إفريقيا يساوي ثالث سنوات تقريبا من‬ ‫التعليم المفقود (‪ .)World Bank 2018e‬الدفع نحو التعلم‪ ،‬يتطلب من بلدان الشرق األوسط وشمال أفريقيا أن تركز على‬ ‫سبعة مجاالت‪:‬‬ ‫بناء المهارات األساسية⎯من الطفولة المبكرة مرورا بصفوف المدرسة االبتدائية⎯ المطلوبة للتعلم والنجاح‬ ‫‪.1‬‬ ‫في المستقبل‪.‬‬ ‫التأكد من أن المعلمين وقادة المدارس‪ ،‬بما أنهم أهم المدخالت في عملية التعلم‪ ،‬مؤهلون وأن يتم اختيارهم بشكل‬ ‫‪.2‬‬ ‫جيد‪ ،‬واستخدامهم بشكل فعال‪ ،‬وتحفيزهم على مواصلة التطور المهني‪.‬‬ ‫تحديث علم التربية والممارسات التعليمية لتعزيز االستعالم واإلبداع واالبتكار‪.‬‬ ‫‪.3‬‬ ‫معالجة التحدي في لغة التدريس‪ ،‬بالنظر إلى الفجوة بين العربية المنطوقة (أي العامية) والعربية القياسية‬ ‫‪.4‬‬ ‫الحديثة (أي الفصحى)‪ .‬فالعالقة الوثيقة بين اللغة والدين والهوية الوطنية تجعل من الصعب تقديم توصية‬ ‫للمنطقة ككل‪ .‬على الرغم من أن هذه ظاهرة تخص المنطقة ككل‪ ،‬إال أنها تتجلى بطرق مختلفة في بلدان‬ ‫المنطقة‪ ،‬ومن ثم‪ ،‬يجب معالجتها بصيغة بالغة التخصيص لكل بلد‪.‬‬ ‫تطبيق تقييمات التعلم التي تراقب تقدم الطالب بانتظام لضمان أنهم يتعلمون‪.‬‬ ‫‪.5‬‬ ‫منح فرصة التعلم لجميع األطفال‪ ،‬بغض النظر عن الجنس والعرق والخلفية والقدرة⎯وهذا شرط لتحسين‬ ‫‪.6‬‬ ‫نتائج التعلم على المستوى الوطني‪.‬‬ ‫االستعانة بالتكنولوجيا لتعزيز توصيل التعليم‪ ،‬وتشجيع التعلم بين الطالب والمعلمين‪ ،‬وتجهيز الطالب لعالم ذي‬ ‫‪.7‬‬ ‫طبيعة رقمية متزايدة‪.‬‬ ‫لكي تتمكن من جني ثمار التعليم‪ ،‬يجب على منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا‬ ‫مواءمة الدفع نحو التعلم مع الجذب للمهارات‪ .‬من غير إعادة مواءمة سوق العمل بحيث‬ ‫‪4‬‬ ‫يرتفع الطلب على المهارات‪ ،‬فإن مساهمة قطاع التعليم في االقتصاد لن تتحقق بالكامل‪ .‬يمكن أن يؤدي الدفع المتناسق‬ ‫نحو التعلم إلى بعض التقدم‪ ،‬ولكنه ال يكفي لتحقيق اإلمكانات الكاملة للتعليم‪ .‬إن مثل هذا الدفع سيقرب التعليم من تحقيق‬ ‫إمكاناته‪ ،‬لكنه بمثابة ثاني أفضل نهجا ومن خالله تبقى معظم هذه اإلمكانية غير مستثمرة‪ .)Rodrik 2008( .‬ويتضمن‬ ‫النهج األفضل إصالحات متعددة النظم وقادرة على مواءمة الدفع نحو التعلم مع الجذب للمهارات‪ .‬ويشمل هذا النهج‬ ‫اإلصالحات االقتصادية لجعل المهارات المطلوبة في سوق العمل متوافقة مع تلك التي يمنحها التعليم ويسعى إليها أولياء‬ ‫األمور والطالب‪ ،‬وكذلك يشمل الجهود لمعالجة االختالالت في قطاع التعليم وخارجه‪ .‬هكذا يتحول أصحاب العمل من‬ ‫التركيز على الشهادات إلى طلب المهارات‪ ،‬وعندئذ يمكن ألولياء االمور والطالب أن يطلبوا المهارات من نظام التعليم‪،‬‬ ‫مما يساعد منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا على االبتعاد عن "التوازن الوثائقي" والتحرك نحو "توازن مهاراتي"‪.‬‬ ‫لكن تحقيق هذا التحول يعتمد على قيام أصحاب العمل باإلشارة بصورة واضحة عن المهارات المطلوبة لديهم‪ .‬كما يعتمد‬ ‫أيضا على أن يعالج صانعي السياسات سياسات العمل الجامدة التي تثنى أصحاب العمل عن البحث عن أساليب شفافة‬ ‫للتوظيف حسب المهارات‪ .‬ويعتمد الجذب للمهارات أيضا على إصالح الخدمة المدنية لدعم توظيف أفضل المعلمين‪،‬‬ ‫وتحفيزهم وتمكينهم‪ ،‬وتوزيعهم حسب االحتياجات في المدارس على المستوى الوطني‪.‬‬ ‫وأخيرا‪ ،‬يعتمد الجذب للمهارات على أن تعكس المناهج الدراسية المهارات التي تهيئ الطالب للحياة االجتماعية‬ ‫واالقتصادية‪ .‬ومن ثم‪ ،‬يتعين أن تضمن إصالحات المناهج مواءمة ما يتعلمه الطالب مع المهارات التي يحتاجون إليها‪.‬‬ ‫في الواقع‪ ،‬ينبغي أن تكون المناهج الدراسية بمثابة حلقة الوصل بين مختلف مجاالت المجتمع وسوق العمل والنظام‬ ‫التعليمي‪ ،‬بينما يجب أن يظهر التحول من التوازن الوثائقي إلى توازن مهاراتي في المناهج الدراسية‪ .‬تحقق مواءمة‬ ‫األنظمة عندما تعكس المناهج الرسمية المهارات المطلوبة عند المجتمع وسوق العمل‪ .‬وبعكس ذلك‪ ،‬عندما تكون المناهج‬ ‫الرسمية قديمة ومنفصلة عن حقائق الحياة‪ ،‬فإنها تؤدي إلى عدم التوافق بين مكتسبات الطالب ومتطلبات المجتمع وسوق‬ ‫العمل‪.‬‬ ‫السياق مهم‪ .‬إصالح التعليم في الشرق األوسط وشمال أفريقيا عن طريق الدفع نحو التعلم والجذب للمهارات لن يحقق‬ ‫نفس النتائج في جميع السياقات‪ ،‬ويوجد نماذج متعددة لتحويل التعليم‪ .‬سجلت كل من فنلندا وكوريا درجات عالية في نتائج‬ ‫البرنامج الدولي لتقييم الطلبة (‪ )PISA‬سنة ‪ ،2015‬مما يؤشر إلى نسبة قوة التعلم‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬إن النظامان التعليميان وراء‬ ‫هذا االداء القوي مختلفين تماما عن بعضهما البعض‪ .‬تحتاج بلدان الشرق األوسط وشمال أفريقيا إلى طرح جهود‬ ‫اإلصالح على أساس ما يتيسر إنجازه من اإلصالح التعليمي واالقتصادي واالجتماعي⎯ أي أن إصالحات التعليم‬ ‫الناجحة ستعتمد على فهم القيود القائمة (‪ .)Rodrik 2008‬ويعتمد نجاح اإلصالحات أيضا على كيفية تصميمها وتقديمها‬ ‫والموافقة عليها وتنفيذها داخل كل من البالد‪ .‬فإن فعالية خيارات السياسات المختلفة كثيرا ما تعتمد على ما إذا كانت‬ ‫الظروف المكملة موجودة أو إذا كانت الموارد الكافية متاحة‪.‬‬ ‫يتطلب إجراء أي تغييرات جوهرية في التعليم معالجة األعراف االجتماعية غير الفعالة التي تمنع اإلصالح‪ .‬تغيير‬ ‫األعراف االجتماعية ليس باألمر السهل‪ ،‬ولكن إنجازه يمكن تحقيقه‪ .‬ومن شأن إثارة الوعي حول تكاليف وعدم كفاءة‬ ‫بعض األعراف‪ ،‬أو حول الفوائد التي تعود على المجتمع من وراء اإلصالحات‪ ،‬أن تساعد في تغيير عقلية المجتمع‪.‬‬ ‫ينبغي أن يستند مثل هذا الجهد على أدلة موثوقة ال ترتبط بأي خطاب عقائدي أو سياسي‪ ،‬وأن يركز على إصالحات‬ ‫جوهرية حقيقية وليس على تغييرات طفيفة في السياسات (‪ .)Khemani 2017‬كما أن تغيير القوانين أيضا قد يؤدي إلى‬ ‫تغيير األعراف‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬فإن سن القوانين ال يكفي وحده؛ يتعين تنفيذها بصرامة والتشجيع على االمتثال‪ .‬االستجابة‬ ‫السلوكية للحوافز على المدى القصير بإمكانها أن تؤدي إلى تغيرات طويلة المدى في السلوك واألعراف االجتماعية‬ ‫(‪.)World Bank 2015d‬‬ ‫ميثاق من أجل التعليم‪ .‬ان تحسين التعليم ليس مسؤولية المعلمين فقط؛ يجب أن تشارك جميع أفراد المجتمع—السياسيين‬ ‫ورجال األعمال وقادة المجتمع‪ ،‬وكذلك أولياء األمور والمعلمين ومدراء المدارس والطالب أنفسهم‪ .‬بوسع التعليم أن‬ ‫يؤدي العديد من األدوار في االقتصاد والمجتمع‪ ،‬ولكن هناك توترات بين أهداف أصحاب المصلحة‪ ،‬أكثرها صعوبة هم‬ ‫وجهات النظر المتعارضة‪ ،‬والقناعات القوية‪ ،‬والمصالح المتباينة‪ .‬ويشكل التضارب بين أهداف التعليم لمختلف الجهات‬ ‫المعنية عقبة كبيرة‪.‬‬ ‫لذلك فإن تأسيس ميثاق جديد للتعليم أمر بالغ األهمية‪ .‬يجب أن تتم المواءمة بين‬ ‫مصالح أصحاب المصلحة المتعددة—بما في ذلك المعلمين والمدراء والمفتشين‬ ‫‪5‬‬ ‫والسياسيين والمجتمعات وأصحاب العمل والطالب—وذلك من خالل بناء تحالف قوي‪ .‬وهذا يتطلب رؤية موحدة تأخذ‬ ‫في االعتبار التوترات األربعة التي تعيق التعليم باإلضافة إلى السياق المحلي واألعراف االجتماعية التي تشكل التوترات‪.‬‬ ‫كما يتطلب قيادة قوية لمواءمة المصالح والحشد حول األهداف الوطنية المشتركة التي تحتاج مساهمة التعليم‪ .‬وسيعتمد‬ ‫التعهد الجديد أيضا على ادراك مشترك بأن الجميع مسؤول والجميع يخضع للمساءلة في حق التعليم⎯أي أنه من‬ ‫الضروري أن تتجاوز المساءلة نظام التعليم‪ .‬وأخيرا ‪ ،‬يتطلب التعهد الجديد توفيق االستثمارات والموارد مع أولويات‬ ‫الرؤية‪ .‬تعد أنظمة التعليم عالية األداء—مثل تلك الموجودة في اليابان وكوريا وسنغافورة—أمثلة جيدة عن تعهد قوي‬ ‫للتعليم بين أصحاب المصلحة‪ .‬وقد اعتمدت هذه البلدان رؤية موحدة للتعليم وأقامت إصالحات بشكل متسق ومتماسك‬ ‫لتحقيق النمو االقتصادي المدفوع برأس المال البشري (‪.)Wong 2017‬‬ ‫وتحظى منطقة الشرق األوسط وشمال أفريقيا بالتاريخ والثقافة والموارد الالزمة للقفز إلى مستقبل قائم على مجتمع متعلم‬ ‫واقتصاد معرفي‪ .‬فشعوب وشباب المنطقة لديهم توقعات وتطلعات كبيرة‪ .‬إن إطالق عنان إمكانات للتعليم أمر ممكن‬ ‫تحقيقه‪ ،‬ولكنه يتطلب التزام الجميع بجعل التعليم ليس أولوية وطنية فحسب‪ ،‬بل أيضا حالة وطنية طارئة‪.‬‬ ‫‪6‬‬